عندما تبدأ معركة الإنسان مع نفسه، معركة شخصية-شخصية، حينئذِ نستطيع أن نقول أن ذلك الشخص يستحق الذكر. عندما تقود نفسك لتتعلم قيادة السيارة وأنت لا تعرف كيف يدور المقود الرئيسي، وعندما تحاول معرفة الأشياء المجهولة عندك من الطرق والإتجاهات، أو حتى عندما تدخل في معركة حياة وموت نفسية في وضعية قررت الظروف لك أن تعيشها، كمن ترسبت الدهون في جسده، أو كمن لا يعرف التحدث باللغة الإنجليزية .. إن لا شئ في حياتنا يُولد مع هبوطنا من المطار الدموي المنسوب في فراش المستشفى، ولا أي شئ يستطيع أن يزرع فينا تلك الأشياء التي هي ليست أكثر من هدف يقوده طموح .. ليس هناك طبيب مختص لعلاج تلك الأشياء، وإن وجد.. لن يسجل ذلك الطموح الذي يعيش في نفسك!
منذ الأوقات الصعبة التي كان دوماً ما يعيشها ذلك الذي نستمر في تقديره.. لا يمكن له أن يحقق ما يريد حتى عندما تقوده الإرادة ممزوجة بالطموح لصنع تلك الأشياء، لكن العوامل الأخرى كثيراً ما تساهم في فشل أعماله..
في الكأس الأوروبي 1996 لم يكن دل بييرو سوى لاعب جديد في ساحة كرة القدم الأوروبية. في العام 1998 أزاح دل بييرو عرش روبرتو باجيو من المنتخب الإيطالي بشكل طفيف. رغم خروج المنتخب أمام فرنسا بالضربة المُهدرة من دي بياجيو، الصحافة تنتقد دل بييرو لأنه لم يقدم المطلوب في تلك البطولة!
في هولندا-بلجيكيا 2000، دَرجت الصحافة النصر الكروي من الانطلاقة حتى الدور النهائي لنجم روما فرانشيسكو توتي، وأرجحت ضياع اللقب في نهائي ايطاليا-فرنسا لفرصتي دل بييرو، كما أنهم نسوا أن فابيو كانافارو تسبب في هدف ديفيد تريزغيت.
في النهضة الكروية بين كوريا واليابان 2002، اُستقبل المنتخب الإيطالي في مطار روما بالضرب المبرح، إلا أن دل بييرو نال القدر الأكبر من تلك "الضربة"، رغم أنه لم يلعب سوى بضعة دقائق في الإجمال. ربما نسي الجمهور أن دل بييرو قاد ايطاليا للدور الثاني، وتراباتوني رفق بهم إلى المدرجات حيث هناك تُقلع الطائرة المنكوبة كروياً!
تجدد تراباتوني في أوروبا 2004، حيث لا يُمكن لتوتي ودل بييرو أن يجتمعان في آنِ واحد، دل بييرو لا يستطيع إبراز مواهبه فهو في موقع جاف من الملعب، صادف القدر أن تُرسل "البزقة" التاريخية من فم النجم رقم 10 توتي، ويغيب كانافارو عن لقاء السويد، ليقود دل بييرو الحوار الجديد كلياً ويصبح في معركة صعبة لكن ما يكن ليعرف أن يصنع شئ فهو مُستبدل –لا محالة- في الدقائق العشرين الأخيرة. بالتأكيد ايطاليا خرجت بسبب أليساندرو دل بييرو .. كما ترى الصحافة.. حيث أن الجميع نسي لعبة الـ2-2!
"الصلعة" هي حكاية 2006، في الكأس العالمية، قرر دل بييرو أن يحلق شعره في الجولة الأخيرة للدوري الإيطالي، وعاد ليصفر شعره في الدور الأول، ثم في الثاني، وصولاً للنهائي. حيث لكل دور تصفيره جديدة! رغم أن دل بييرو غاب عن الظهور الكامل بسبب أن مارتشيلو ليبي فضل فرانشيسكو توتي، ولا يمكن لهما أن يظهران في آنِ واحد، كما يرى ليبي والبقية! .. إلا أن ثلاثة أشياء رافقت دل بييرو في قاعة انتظاره، "الصلعة، سونيا، والمجد الحاسم". لا مشاركات أساسية إلا في اللقاء الإيطالي-الأوكراني .. حيث قدم دل بييرو كرة قدم تدنو من الطبيعية في الوقت الذي أشركه ليبي في غير موقعه. أُستبدل دل بييرو بفرانشيسكو توتي، ولأن توتي سجل الهدف من ركلة جزاء ..قالت الصحافة "فورزا توتي أساسياً!"..في لقاء ألمانيا قرر دل بييرو بحضور نجوم كرة السلة وسونيا والصلعة والمجد الحاسم أن يصنع لقطة العمر .. دل بييرو بطلاً لكأس العالم ..لكن الصحافة تعود لتقول "كاسانو أفضل!".. حيث أن كاسانو ليس موجوداً بالقائمة إطلاقاً!
في عهد دونادوني، خرجت ايطاليا من أوروبا 2008، وبعد أن قرر الجميع انتقاد دونادوني، قالوا لِمَ لم يشارك انزاجي بديلاً لدل بييرو؟ .. رغم أن الأخير لم يلعب سوى دقيقتان ونصف في لقاء العمر أمام اسبانيا ! .. وعندما خرجت ايطاليا فعلياً، قالوا لِمَ رفض دل بييرو تسديد الركلة الأولى من ركلات الجزاء؟!
بالفعل .. كلمة شكر ووسام طموح يمنح لذلك الرجل الذي يصل حتى هذا المضمار.. أسطورة مستمرة بلقب هداف جديد، لن تنتهي على الإطلاق .. مستمرة حتى كأس العالم 2010 بنفس الطموح ولينتظر جميعنا معركة جديدة بين دل بييرو ودل بييرو الآخر من أجل أن يستمر في ركل الكرة الإيطالية مهما تعددت الظروف .. مُستمر حتى الأربعين عاماً..لياقة أقل وطموح أكبر.
لا توجد كلمة مستحيل إلا في قاموس الفاشلين .. دل بييرو لن يعطِ الجمهور ما يريده، سيقدم ما يظنوه أنه شئ مستحيل. إنَ دل بييرو الأسطورة الجامعة لفن آخرِ.. كل شخص يود لو أنه يصبح أسطورة، وإنَ كل شخص يكره الأساطير!
دل بييرو .. بنفس الطموح والكبرياء 2009.
"غزو النفس أعظم الانتصارات"
--------------------------------------------
يا فخر أطاليا
الخميس ديسمبر 18, 2008 2:22 am